القراءة في الفصلين الأول والثاني من كتاب "الحركات الاحتجاجية بالمغرب" للكاتب الدكتور عبد الرحيم العطري

 

القراءة كتاب الحركات الاحتجاجية بالمغرب للكاتب الدكتور عبد الرحيم العطري

القراءة في الفصلين الأول والثاني من كتاب "الحركات الاحتجاجية بالمغرب" للكاتب الدكتور عبد الرحيم العطري

 


   سنتناول في هذا الموضوع قراءة في الفصلين الأول والثاني من كتاب الحركات الاحتجاجية في المغرب للكاتب عبد الرحيم العطري، وسنحاول دراسة الفصل الأول المعنون بسوسيولوجيا الحركات الاجتماعية من خلال فقرتين، سنخصص الفقرة الأولى للإطار المعرفي والنظري لسيسيولوجيا الحركات الاجتماعية، في حين سنخصص الفقرة الثانية لدراسة مسار سوسيولوجيا الحركات الاجتماعية ومنظريها، وفي الفصل الثاني المعنون بتبولوجيا الحركات الاجتماعية، سنتناول تصنيف الحركات الاحتجاجية التي تناول العطري في كتابه.

الفصل الأول: سوسيولوجيا الحركات الاجتماعية

الفقرة الأولى: الإطار المعرفي والنظري لسيسيولوجيا الحركات الاجتماعية

     انطلق الكاتب عبد الرحيم العطري في الفصل الأول من تحديد الإطار العام للحركات الاجتماعية، بكونها جزء لا يتجزأ من حقل السوسيولوجيا، حيث أشار إلى أن الاهتمام بالحركات الاجتماعية بدأ منذ زمن ما بعد الحرب العالمية الثانية من خلال محاولات واجتهادات كثير من الباحثين السوسيولوجين في تفسير الفعل الاحتجاجي، وأملا منهم في إضافة مبحث جديد داخل قارة السوسيولوجيا.

     حاول صاحب الكتاب من خلال هذا المبحث الإحاطة بجل التعاريف التي أعطيت للحركات الاجتماعية بعدما أصبحت تحتاج للدراسة والتحليل وأصبحت محط اهتمام العديد من الحقول المعرفية، ولعل الغاية من هذا الاهتمام هو تحليل أسبابها وشروط إنتاجها وسيرورتها ومآلها، ولعل المفهوم الشائع لها؛" تلك الجهود المنظمة التي تبذلها مجموعة من المواطنين من أجل تغيير الأوضاع أو السياسات أو الهياكل القائمة لكي تكون أكثر اقترابا من القيم التي تؤمن بها هذه الحركة ".

وفي نظرنا ، أن جل التعاريف التي أعطيت لها تبقى قاصرة ، لأن الحركات الاجتماعية ذات أبعاد مختلفة يتداخل فيها ما هو اجتماعي وما هو نفسي وسياسي واقتصادية وبين ما هو تاريخي وكذلك ما هو جغرافي ، فما ينظر إليه علم النفس على أن الحركة الاجتماعية حالة من الهستيريا الجماعية التي تنشأ من الإحساس بالحاجة والنقص ، لا ينظر إليه علم الاجتماع الذي يفسرها بكونها رغبة في بناء مجتمع يتلاءم مع ما تؤمن به الحركة ، حتى علم الإجرام لا ينظر لها بهذا النسق حيث يرى أنها حالة فوضى جماهيرية ، وحتى علم السياسة الذي يرى أنها صراع سياسي من أجل الوصول إلى دقة التدبير وصناعة القرار ، أما علماء الجغرافيا فلهم منظور آخر مختلف بحيث تجسد الحركات الاجتماعية حالة التهميش السكني والمجالي باعتباره العامل المركزي في إنتاج هذا الفعل .لذلك ينبغي إعطاء تعريف دقيق يمزج بين كل هذه الأنساق.

     فرغم هذا الاهتمام ظلت الحركات الاجتماعية أسيرة فهم وقد أشار الاستاذ عبد الرحيم العطري الى أن مسألة تحديد مفهوم دقيق لها ما زال بعيدا، ولعل العامل في ذلك هو تزاحم معظم العلوم على تحليلها كل حسب مقارباتهم وبراديغماتهم.

     لكن رغم هذا التعدد في التعاريف إلا أن خصائصها تبقى مشتركة وهي:

       ذات مجهودات جماعية

       لها هدف محدد

       تتميز بالإرادة الواعية

       وجود حد أدنى من التنظيم

     وأمام هذه الصعوبة في إعطاء مفهوم دقيق حاول عدد من الباحثين بناء نظريات لتفسير الفعل الاجتماعي:

 

1-      نظرية السلوك الاجتماعي

     استندت إلى خلاصات علم النفس في تفسير الحركات الاجتماعية، حيث تفسرها على أنها حالة من الهستيريا الجماعية، كما تراها عبارة عن مرض وأن وجودها يشكل انعكاس للمجتمعات المريضة.

 

2-      نظرية تعبئة الموارد

     ترى أن العامل في نشوء الحركات الاجتماعية هو الموارد الاقتصادية والسياسية، حيث تسعى من خلال هذه الحركة إلى تعبئة مواردها وتضيفها لصالح المجتمع.

     لكن ما يمكن نقذه على هذه النظرية هو أنها ركزت على عامل الموارد والحال أن هناك عوامل أخرى أكثر أهمية، إضافة إلى أن هناك حالات تفتقر الحركات الاجتماعية للموارد فليس بالضرورة أن تتوفر عليها.

 

3-      نظرية الحركات الاجتماعية الجديدة

نظر للحركات الاجتماعية على أنها فعل اجتماعي يعكس تناقضات المجتمع بسبب العولمة وظهور تناقضات بين الفرد والدولة

 

الفقرة الثانية: مسار سوسيولوجيا الحركات الاجتماعية ومنظريها

     بعدما تم تحديد الإطارين المعرفي والنظري للحركات الاجتماعية، انتقل صاحب الكتاب للحديث عن مسارها التاريخي. حيث تناوله من خلال 3 محطات رئيسية وهي:

1)   ما قبل 1968: ظهرت فيها اجتهادات منظري الحركات الجماهيرية.

2)   ظهرت فيها نظريتي تعبئة الموارد والحركات الاجتماعية الجديدة.

3)   من 1989 إلى الآن: عرفت تطورا كبيرا في النظريات الفائتة.

 

 ويمكننا القول في هذا الإطار أن الأستاذ عبد الرحيم العطري تطرق لتاريخ الحركات الاجتماعية في طابعها السوسيولوجي أي بعد تدويلها وبدأ الاهتمام بها في زمن ما بعد الحرب العالمية الثانية ، ولكنه لم يتطرق لجذورها التاريخية ما قبل مرحلة الحداثة ، فقد كانت البداية في أوروبا، حيث تتجلى مظاهر هذه الحركات في ستينات القرن الثامن عشر وبالضبط في لندن وبوسطن وشارلستون ، بالإضافة إلى ما وقع في بريطانيا في منتصف القرن الثامن عشر حيث تعتبر مناصرة جونويكس الحركة الجماهيرية الأولى والتي تضمنت اجتماعات ومظاهرات، مما يؤكد وصف هذه الصراعات بكونها حركات اجتماعية، ينبغي الالتفات لها في صفحات هذا الكتاب.

     وفي نقطة ثانية، تطرق الأستاذ لأهم نظريات كبار مؤسسي لسوسيولجيا الحركات الاجتماعية أمثال " آلان تورين " و " بيير بورديو ".

     يأخذ آلان تورين اتجاه مخالف، حيث انتقد الكثير من النظريات، على سبيل المثال نظرية تعبئة الموارد التي تفسر الحركات الاجتماعية على أنها نتاج لعامل اقتصادي حيث يرى وجود عوامل أخرى أكثر أهمية يتوجب الانتباه لها، كما بين في كتابه " سوسيولوجيا الحركات الاجتماعية" عام 1993 على أن تنامي هذه الحركات ما هو إلا دليل على إخفاقات النظام في ضمان الحرية والمساواة، كما يرى أن عناصر الحركات الاجتماعية تتمثل في:

       الدفاع عن الهوية والمصالح الخاصة

       النزال ضد الخصم

       الرؤية العامة التي يتقاسمها الأفراد

     أما "بورديو" فيفسرها على أنها حقل من الصراعات مع مؤسسات الهيمنة، كما ينظر إليها من مقتربات العنف والرأسمال، فهو بذلك محتجا على العولمة والرأسمالية التي تتأسس على قوانين اقتصادية مجحفة وهو ما يظهر من خلال دعوته إلى حركة اجتماعية أوروبية لمواجهة إكراهات العولمة.

 

الفصل الثاني: تيبولوجيا الحركات الاحتجاجية

     تبولوجيا الحركات الاجتماعية بهذا العنوان عنون العطري الفصل الثاني من أجل أن يناقش ومن أجل أن يوثر مسألة مثيرة تتمحور أساسا حول تصنيف الحركات الاحتجاجية، حيث طرح "العطري" سؤالا مهما حول تصنيف الحركات الاحتجاجية وأي معاير نخد؟ وبأي طرق؟ هل نأخذ بتصنيف الجغرافي ونصنف الحركات الاحتجاجية إلى حركات قروية والأخرى إلى حضرية والأخر وطنية وعالمية أم نأخذ بالتصنيف الموضوعي الذي يصنف الحركات الاحتجاجية إلى حركات عمالية وحركات فلاحية وحركات طلبية وحركات ثقافية لغوية وحركات سياسية وأخرى دينية.

    وقد عنون العطري المبحث الأول من هذا الفصل مأزق التصنيف أي أنه اعترف ضمنيا أن هناك صعوبة في التصنيف هذه الحركات الاحتجاجية.

    ولقد طرح عبد الرحيم العطري سؤال حول العنف واللاعنف وقد حاو لأن يقارب هذا الموضوع من زاوية المقارنة بين العنف واللاعنف مستندا على مجموعة من الأطروحات لبحثين أخرين.

   كما توقف عند مجموعة من الأمور التي أثيرت وخلدها التاريخ كالحركات التي اتسمت بالعنف والتي انتهت إلى نتائج مهمة، وحركات أخرى اعتمدت على العنف بدون أن تحقق مبتغاها من الاحتجاج.

    ففي حديث العطري حول التصنيف اعتبر أن التصنيف الموضوعاتية الذي يأخذ بالطبقية أي الذي يكون مبني على المفهوم الماركسي يسيطر على الحركات الاحتجاجية، أي أننا يمكن أننظر إلى الاحتجاج أنه يكون بين طبقتين الفوقية المسيطرة والطبقة التحتية.

فالعطري اعتبر أن الحركات الاجتماعية مثل حركات العمال والحركات التي هي ضد النظام (العبودية) والحركات الدينية كلها حركات كل حركة ألقت بضللها.

     فأنطلق من نقط اعتبرها أن الصرع الاجتماعي يكون بين فاعلين متعارضين، كل طرف يدافع عن مصالحه وفي ذلك يستعمل مجموعة من وسائل العنف المشروع واللامشروع لحماية مصالحه.

     وقد توقف "العطري" من خلال دراسته هاته عند ثلاث اتجاهات وهو يحاول رصد ماهية الصراع الاجتماعي، أكد أن التصورات اختلفت وأنتجت لنا ثلاث اتجاهات:

       الاتجاه الأول : اعتبر أن كل صراع هو مرض اجتماعي ومن رواد هذا الاتجاه "تالكوت بارسونز".

       الاتجاه الثاني : يجسد الاتجاه الماركسية النقابية واللنينية حيث يرى هذا الاتجاه صرورة تاريخية لتجاوز الأوضاع الحالية.

       الاتجاه الثالث : نجده يعترف بالفائدة الصراع كما يعترف أن لهطا الصراع قدرات مدمرة مما يعني أن هذا الاتجاه يرى أن الصراع سيف دو حدين وجه إجابي ووجه سلبي.

 

     غير أن العطري لم يتوقف عند هذه الاتجاهات نجده انتقل إلى الواقع المادي الملموس من أجل أن يلاحظ ويحللا ويصنف الحركات الاحتجاجية معتمدا على مجموعة من المقاربات، حيث صنف الحركات الاحتجاجية إلى حركات عمالية ونسائية ودينية وفلاحية ومن خلال دراستنا لهذا الفصل سنحاول أن نتوقف عند كل حركة من أجل أن نرصد أفكارها ونسلط الضوء على إجاباتها وسلبياتها.

 

          الحركة العمالية:

     اعتبر العطري أن اتساع النشاط الصناعي وتنامي الهجرة نحو المدن ابان الثورة الصناعية وأن مجموعة من الأحياء تفتقد لمستوى العيش الكريم، وأن مجموعة من المصانع في المدن كان عمالها يعانون من عدم توفر ظروف العمل اللائقة والتي تحفظ كرامتهم الأمر الذي جعلهم يطلبون بحقوقهم.

     واعتبر أن النواة لهذه الحركات كانت في القرن السابع عشر الذي سجلت حضورا لفتا في المجتمع، وجدير بالذكر أن هذه الحركات ليست وليدة اللحظة، فالعديد من الدراسات تأكد على أن هذه الحركات كانت منذ العصور القديمة في مصر القديمة والصين وكذلك عند الرمان في القرون الأولى من التاريخ والتي عرفت مثل هذه الاحتجاجات العمالية التي استمرت في التطور إبان القرن 17 مع الأن توران وغيره من الرواد. فهذه الحركات انتشرت في أوروبا وتوجت بنتائج مهمة خاصتا في فرنسا وانجلترا.

 

          الحركات الفلاحية:

    تعد الفلاحة النشاط الذي اعتمد عليه الإنسان منذ القدم وهو سابق لكل الأنشطة الأخرى، اعتمد العطري على مثال الصين القديمة ، فالفلاحون كانُ ينتفضون من حين إلى أخر على ظلم الضرائب وجور الحكام ،وكانت هناك احتجاجات كفلت إعادة الحقوق إلى الفلاحين ، ثم إن إعمال مقتضيات التغير وتكريس وإعادة الإنتاج ، وقد اعتبر العطري أنه لحدود الآن مازالت الحركات لها وقعها في جميع المناطق ثم تحدث عن مسألة أخرى أن هذه الحركة ضد العولمة والنيولبرالية التي تحاول أن تجعل من العالم قرية صغيرة ، فالنشاط الفلاحي مازال في كثير من الدول نشاطا رئيسيا لذى فإن أي اختلاف لابد أن يثار في باقي القطاعات الأخرى .

 

          الحركات الطلابية:

     هي حركات حساسة لها القدرة على التغير نظرا للفئة التي تمثلها ولقد أعطى العطري مثالا بما حدث سنة 1998لما قام الطلاب بحركة احتجاجية شارك فيها أزيد من 20 مليون طالب هؤلاء الذين لهم تأثير على الوقع السياسي والاقتصادي بما يتمتعون به من وعي وقد اعتبر أن الحركات الطلابية قد مات حضورها في المجتمع منذ أواسط القرن 20.

لقد ساهت هذه الحركات في العديد من البلدان من تغير الوقع أو على الأقل الدفع من أجل التغير.

 

          الحركات النسائية:

     تهدف إلى الدفاع على مصالح النساء وتوسيع دائرة حقوقهم، وقد تبلوت هذه الحركة منذ أواسط القرن 19 في الدول الصناعية حين وجدت المرأة نفسها مهمشة، تتكلف بعمل شاق في المقابل لا تحصل على حقوقها كاملا وقد تمت عولمت هذه القضية وانتقلت من   ما هو محلي إلى ما هو كوني، وظهرت حركات نسائية في مختلف الدول تدافع عن خروج المرأة إلى العمل وجعلها تصل إلى مراتب صنع القرار.

 

          الحركات الدينية:

     اعتبر العطري بأن كل عصور عرفت هذه الحركة، ولا يمكن أن نبخس دور الحركات الدينة في عملية التغير كما لا يمكننا حصر هذه الحركات المعتزلة أو الخوارج في الإسلام أو الحركات البروتستانتية في المسيحية بل إن هذه الحركات تمتد إلى أمور أخرى فهدفها التغير والتجاوز والوصول إلى دوائر ومراكز صناعة القرار.

    وقد عرف الحركات الدينية أنها تيارات تحمل مشاريع التغير واستراتيجيات التنقيد.

 وإني أرى أن الحركة الإسلامية في الوطن العربي أكثر الحركات الدنية تعبيرا.

 

          الحركات الثقافية:

    يعتبر العطري أن الحقل الثقافي حقل لصراع والسجال وجدير بالذكر أن المثقف هو الذي يصنع التغير. ولخص العطري هذه الحركات بشكل أدبي وفنية وأدبية وأعطى مثالا لحماية اللغة الأمازيغية وإعادة الاعتبار لها في بلدان الوطن العربي، وقد اعتبر هذه الحركات تساهم في بلورت الوعي بالوصع القائم خصوص عندما يكون عنصر الالتزام محددا.

 

          الحركات الجديدة:

     جاءت منذ منتصف القرن 20 كالحركات الاجتماعية المناهضة للعولمة وحماية البيئة والمنظمات الحكومية والمجتمع المدني والدفاع عن حقوق الانسان ...هذه الحركات تتميز عن الحركات القديمة بفارق الأهداف النوعية فهي لا تتسم بالبعد الطبقي.

    وفي تصوري أنه بهذه الإشكالات والتوضيحات حاول العطري أن يجسد مأزق التصنيف فهو لم يلعب دور البطل المخلص الذي يبحث عن الحلول، لكن حاول نقل القارء إلى هذه الإشكالات المطارة بدأ من إشكال التصنيف ثم الحديث عن الاحتجاج بين العنف واللاعنف وهي مقاربة سيجيب العطري عليها: هل الاحتياج أن يؤسس عن العنف من أجل الوصول إلى التغير المنشود أم أن اللاعنف الوسيلة الوحيد من أجل تغير الوقع لواقع أفضل.

تعليقات