أنواع المحررات والأدلة الكتابية


المحررات والأدلة الكتابية


أنواع المحررات والأدلة الكتابية 


    يعرف الدليل الكتابي عموما بأنه المحرر أو الورقة التي تعد دليل كاملا والمثبتة لتصرف من التصرفات سواء أكانت رسمية أم معرفية أو غيرها.

    وتحتل الكتابة المرتبة الأولى من بين الطرق الإثبات في الأنظمة العدلية، وهي الأصل في إثبات التصرفات والوقائع القانونية ويرجع الفضل في ذلك إلى مزايا الكتابة المتعددة مثل إمكانية بقائها واستمرارها دون ارتباط بكاتبها أو موقعها مما أهلها لتتبوأ المكانة الرئيسية من بين الأدلة الإثبات خاصة بعد شيوعها وسهولة إعدادها.

    فتأخذ بذلك حجتها طالما لم ينكرها الخصم أو يدعي تزويرها، ويقوم ذليل مشروعيتها من القرآن الكريم في قول تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا تَدَايَنتُم بِدَيْنٍ إِلَى أَجَلٍ مُّسَمًّى فَاكْتُبُوهُ وَلْيَكْتُب بَّيْنَكُمْ كَاتِبٌ بِالْعَدْلِ﴾[1].

    وذا كان الأصل هو رضائية تصرفات فتكون الكتابة بنسبة لها الإثبات، وقد يستلزم النظام بأن يرد التصرف مكتوبا وتكون الكتابة هنا لازمة للانعقاد التصرف لا للإثباته.

    ويقصد بدليل الكتابي المحرر الذي يثبت التصرفات سواء كانت ورقة رسمية أو عادية موفقا عليها ولا يدخل في ذلك الرسائل والأوراق وسندات والمستندات غير الموقعة ممن ثبت إليه ولا تعد من الأدلة الكاملة ويجوز إثبات ما يخالف ما اشتملت عليه هذه الأوراق بطرق كافة والورقة الرسمية هي تلك الورقة التي يثبت بها موظف عام أو شخص مكلف بخدمة عامة ما تم على يده أو ما تلقا من دوي الشأن طبقا للأوضاع القانونية في حدود سلطته واختصاصه، ولا يقبل الطعن في الأوراق الرسمية إذا توفرت فيها الشروط السابقة إلا بإدعاء التزوير مالم يكن ما هو مخالفا لشرع.

يجوز للمحكمة، أن تبني اقتناعها بثبوت الجريمة أو نفيها، على ورقة مكتوبة.

    والدليل المكتوب، يمكن أن يشكل جسم الجريمة، وركنها المادي، كالورقة المزورة، ويمكن أن يكون الدليل أيضا محررا رسميا، يقيمه موظف له الصفة لذلك، ويتضمن وقائع أو تصريحات يشهد بصحتها محرر الورقة، وتعرف هذه الأخيرة بالمحضر[2].

 

 الفقرة الأولى: أنواع المحررات والأدلة الكتابية


أولا: المحاضر التي يوثق ربها ولا يطعن فيها إلا بدعوى الزور

    قام المشرع المغربي بمعالجة هذا النوع من المحاضر في المادة 292 من القانون المسطرة الجنائية والتي جاء فيها" إذا نص قانون خاص على أنه لا يمكن الطعن في مضمون بعض المحاضر أو التقارير إلا بالزور فلا يمكن تحت طائلة البطلان إثبات عكسها بغير هذه الوسيلة" ويتضح لنا من خلال هذه المادة السابقة الدكر على أن هذه المحاضر ثبني على حجية قوية قائمة على قرينة قانونية قاطعة، وإنما يقوم بالطعن فيها بطريقة واحدة، من خلال دعوى الزور، وذلك وفقا لمسطرة الادعاء بالزور المنصوص عليها في المادة من 575 إلى587 من قانون المسطرة  الجنائية، وبعض الأمثلة على هذه المحاضر نجد المحضر التي ينجزها موظفو الجمارك، في حدود اختصاصهم وفقا للفصل 242 من مدونة الجمارك الصادرة بتاريخ 9أكتوبر 1977.[3]

    الفصل 65و66 من القانون 10أكتوبر 1917 المتعلق بشأن مخالفات المياه والغابات والفصل 2 من ظهير 11 أبريل 1922 المتعلق بالصيد في المياه الداخلية.

وهده الحجية لا تفصل السلطة التقديرية للمحكمة من حيت التأكد من مطابقة ما جاء بالمحضر للحقيقة الواقعية أو عدم مطابقته.


ثانيا: المحاضر التي يوثق بمضمنها إلى أن يثبت ما يخالفها

    قام المشرع بالتطرق لهذا النوع من المحاضر ضمن المادة 290 من القانون المسطرة الجنائية وجاء فيها بان: "المحاضر والتقارير التي يحررها ضباط الشرطة القضائية في شأن التثبت من الجنح والمخالفات ويوثق بمضمونها الى أن يثبت العكس بأي وسيلة من الوسائل الإثبات.

    والملحظ أن القانون المسطرة الجنائية الملغى والصادر سنة 1959، لم يكن يبت في فصله 291 نوعية الدليل الذي يجوز استعماله للإثبات عكس مضمن المحضر، وهو ما تداركه المشرع في القانون المسطرة الجنائية الجديد النافد ابتدأ من فاتح أكتوبر 2002 حيت أن المادة 290أجازات إقامة دليل على خلاف مضمن المحضر بكافة الأدلة عملا بحرية الإثبات، حيت أنه لا يجوز للمحكمة استبعاد المحضر، حتى يتم تبين العلة والسبب في ذلك.[4]

 

ثالثا: المحاضر التي تعتبر مجرد معلومات

    وقد تضمنت هذا النوع من المحاضر، في المادة 291 من القانون المسطرة الجنائية التي جاء فيها: "ولا يعتبر ماعدا ذلك من المحاضر والتقارير، إلا مجرد معلومات " ويفهم من هذا النص أن المحاضر المتعلقة بالجنايات تعتمدها المحكمة على سبيل الاسترشاد والاستئناس، وليست لها حجية قانونية ملزمة لذا لك، فإن الغرفة الجنائية، وهي تبت في الجنايات، لا تكون ملزمة بضمن المحام المحررة في هذا الشأن.[5]


الفقرة الثانية: نطاق اللجوء إلى وسائل الإثبات المختلفة

تنص المادة 286 من ق م ج على ما يأتي:

«يـمـكـن إثبات الجرائم بأية وسيلة من وسائل الإثبات ماعدا في الأحوال التي يقضي القانون فيها بخلاف ذلك، ويحكم القاضي اقتناعه الصميم ويجب أن يتضمن المقرر ما يبرر اقتناع القاضي وفقا للبند8من المادة 365 الآتية بعده[6].

    إذا ارتأت المحكمة أن الإثبات غير قائم صرحت بعدم إدانة المتهم وحكمت ببراءته»

فالمبدأ إذن بحسب النص هو أن الإثبات في الميدان الزجري ـ خلافا للميدان المدني - حر بمعنى أن كل وسائل الإثبات التي يقرها القانون يمكن الاستدلال بها أمام القضاء الزجري الذي لا يجوز له أن يرفض ـ ما لم يقض الـقـانـون بـذلك ـ لأحد الأطراف تـقـديـم أي دلـيـل يـراه منتجا في إقناع المحكمة بوجهة نظره.

    وعكس القانون المدني الذي جعل وسائل الاثبات محدودة ومعدودة على سبيل الحصر واستعمال وسيلة إثبات غير المنصوص عليها في القانون المدني تعبر ملغية ولا يأخذ بها[7].

    أما الاستثناء فمفاده أن حرية الإثبات التي تفيد صلاحية كل وسائل الاستدلال بها أمام المحاكم الزجرية قد تتعطل بإرادة المشرع في بعض الحالات ـ المحدودة جدا ـ الخاصة التي إما أن يفرض فيها الإثبات، بوسائل محددة فقط أو يمنع اصلا الاستدلال بوسيلة معينة.[8]

 ومن أمثلة الاستثناءات على مبدأ حرية الإثبات التي نؤكد على -محدوديتها ـ نذكر:

    المادة 288 من. ق.م. ج التي تقرر بأنه: «إذا كان ثبوت الجريمة المحكمة في ذلك الأحكام المذكورة». يتوقف على دليل تسري عليه أحكام القانون المدني أو أحكام خاصة، تراعي المحكمة في ذلك الأحكام المذكورة»[9].

 

الفقرة الثالثة: الفرق بين الاثبات الجنائي والاثبات المدني


من حيث غرض الإثبات:

    إن الإثبات الجنائي ينشد ويبحث عن الحقيقة، ولا مانع أن تظل هذه الحقيقة محل بحث وتنقيب، إلى أن تصل إلى ذروة العلم واليقين، فإذا لم يقم الدليل الكامل على إدانة المتهم في الدعوى، فلا يجوز الحكم عليه بعقوبة ما، بل يجب الحكم ببراءته، لأن الأصل في الإنسان البراءة إلى أن تثبت إدانته بدليل تقبله المحكمة، بحيث لا يدع مجال للشك فيه.

    أما الإثبات في المدني، فغرضه الفصل في النزاع القائم بين طرفي الخصومة على حق يدعي به كل منهما.


من حيث عبء الاثبات:

إن تحريك ومباشرة الدعوى العمومية، يتم بمعرفة النيابة العامة بعدما يتم الإبلاغ عن الجريمة من المجني عليه، أو الشرطة أو من أي فرد من أفراد المجتمع، ولو كان الشخص الذي بلغ مجهول، وما دامت الدعوى العمومية تحرك ضد شخص يفترض أنه بريء، فإن عبئ الإثبات يقع لا محالة على النيابة العامة.

أما الإثبات في المدني، فإنه يقع على الخصوم بحيث يلتزم كل طرف، بأن يثبت الواقعة المدعي بها، في مواجهة الخصم الآخر كما تنص عليه المادة 323 ق.م، وإلا كان على القاضي أن يحكم لمصلحة الطرف الذي أثبت الواقعة المدعي بها دون خصمه، لذلك فإن نجاح الدعوى المدنية يتوقف على من يقع عليه الإثبات إذا لم يستطع الطرف الآخر إثبات.

 

من حيث أدلة الإثبات:

لقد منح المشرع للقاضي الجزائي، كامل الحرية في تقدير الأدلة المقدمة إليه في الدعوى الجزائية، تطبيقا لمبدأ حرية الإثبات المقررة في المسائل الجزائية طبقا للمادة 212 ق.ج. أما القاضي المدني، فهو مقيد سلفا بأدلة الإثبات بحيث أن القانون حددها وأوضح الحالات التي تتخذ فيها كل طريقة من هذه الطرق، وهذا ما نصت عليه المواد 323 إلى 350 ق.م.[10]

 

 



[1] سورة البقرة، أية282

[2] راجع محمد بوزبع: محاضر الضابطة القضائية والمراقبة الفعلية، إداريا وقضائيا على سلامتها، مجلة الإشعاع، العدد15،السنة9يناير1997، ص20.

[3] جاء في قرار المجلس الأعلى بأن: المحاضر التي تحرر من طرف شخصين من رجال الجمارك في المسائل المالية، يوثق بها الى أن يدعي فيها الزور. ولهدا الغرض يتعرض للنقض الحكم الذي اعتبر محضرا من هذا النوع باطلا، استنادا الى إثبات ما يخالفه بشهادة الشهود والقرائن .القرار عدد1801 ملف جنحي عدد48256 وتاريخ 24 نونبر 1977، مجلة القضاء والقانون، عدد129،ص197.

ورجع جواد بوكلاطة: الطبعة القانونية لدعوى الزور الفرعية، أطروحة لنيل دكتورة الدولة، كلية الحقوق أكدال-الرباط،2002.

[4]لاحظ موسى عبود: »محضر الشرطة وقوته الاثباتية» م.ق.ق، عدد52-53، ص92.

وجاء في قرار مجلس الأعلى بأنه: إذا تبث من محضر الضابطة القضائية إنكار التهمة امام الضابطة القضائية التي ضمنت بمحاضرها الإنكار، يكون قد خرق مضمن المحضر وتعرض» 1708/1 الصادر في 13 شتنبر 1995 ق.م.أ عدد 49-50، ص230.

وجاء في قار أخر:« بنسبة لتنصي صات  الواردة في كل المحضر يحرر رال الدرك الملكي، ولذي يضمن تصريحات ما، فإنه يوثق بحقيقة صدور تلك التصريحات من أصحابها، لا بفحوى تلك التصريحات التي أفضت بها الضحية، وتلقاها من ها المحققون من رجال الدرك، وعليه فإن قضاة الزجر لما تطرق الشك في صحة فحوى التصريحات التي أفضت بها الضحية وأثاروا عليها الانكار الصحيح التي تمسك به الضنين، يكونون قد استعملوا في مادة لا تفيد فيها الحجة بقيد سلطتهم التقديرية» قرار 26 س14 وتاريخ 12 نونبر 1997، م.ق.ق، عدد119 ص508.

وقد جاء في تقرير السنوي لمجلس الاستشاري لحقوق الانسان عن وضعية حقوق الانسان بالمغرب خلال سنة 2003 ما يلي:« إن الحجية التي يسندها القانون، للمحاضر والتقارير التي يحررها ضباط شرطة القضائية في الجنح ، مع مبدأ القرينة البراءة ،وتحد من سلطة القاضي ، في مراقبة وسائل الإثبات ،وتقدير قيمتها وبالتالي كان من المتعين اعتبار هذه المحاضر والتقارير مجرد بيانات كما هو الشأن في البيانات

 [5] جاء في قرار المجلس الاعلى بهذا الشأن ما يلي:

«تكون محكمة الجنايات قد طبقت القانون تطبيقا سليما، عندما ارتكزت على اعتراف المتهم المسجل بمحضر الشرطة، الذي اقتنعت المحكمة بما جاء فيه، الأن ما حواه من اعترافات يخضع لتقدير قضاة الموضوع في حدود سلطتهم المطلقة». قرار عدد 95، س14، الغرفة الجائية في 3دجنبر 1970، ق.م.أ، عدد 20،ص42.

أكد المجلس العلى بأن محضر الشرطة في الجنايات يخضع للسلطة التقديرية للمحكمة، لاحظ القرار عدد 1573 ملف جنائي عدد53639 وتاريخ 28 دجنبر 1980، ق.م.أ، عدد 27، ص. 199، والقرار عدد 3481 ملف جنائي عدد 67983 وتاريخ 7 يونيو 1983، ق.م.أ، عدد35-36،ص237.

وجاء في قرار آخر: «إن المحاضر التي تعتبر مجرد بيان، فيما يخص الجنايات، هي محاضر ضباط الشرطة القضائية، وجنود الدرك، أما الاسنطاقات أمام النيابة العامة فليست كذلك». قرار عدد 935 وتاريخ 31 يناير 1985، ق.م.أ، عدد37-38، ص193.

وجاء في قرار آخر: «كل إجراء أمر به هذا القانون ولم يثبت إنجازه على الوجه القانوني عد كأن لم يكن، الفصل 765من ق.م.ج. إن عدم إنجاز إجراء مسطري على الوجه القانوني في محاضر الضابطة القضائية لا يؤدي الى بطلانها من أساسها، وإنما يعتبر الإجراء كأن لم ينجز، عملا بالفصلين 293و765. لا يقبل من المتهم ادعاؤه أمام المحكمة أنه وقع تجاوز في مدة الحراسة النظرية لدى الشرطة، والحال أن محضر الضابطة القضائية الذي وقع عليه يفيد أن مدة حراسة كانت قانونية». القرار عدد4963 ملف جنائي عدد 9381/84 وتاريخ 29 مايو 1984، ق.م.أ، عدد 37-38، ص245.

[6] المادة286 من القانون المسطرة الجنائية

[7] عبد الواحد العلمي، شرح القانون الجنائي المغربي، لسنة 2012، ص

[8] عبد الواحد العلمي، شرح القانون الجنائي المغربي، م.س، ص

 [9]المادة288 من القانون المسطرة الجنائية

[10] https://allemmni.com


تعليقات