القراءة في الفصول الثالث والرابع والخامس من كتاب "الحركات الاحتجاجية بالمغرب" للكاتب الدكتور عبد الرحيم العطري


 

القراءة في كتاب "الحركات الاحتجاجية بالمغرب" للكاتب الدكتور عبد الرحيم العطري

القراءة في الفصول الثالث والرابع والخامس من كتاب "الحركات الاحتجاجية بالمغرب" للكاتب الدكتور عبد الرحيم العطري

 

    إن الحركات الاحتجاجية لا بد لها من مسار وتاريخ يحكمها، ويتمثل هذا المسار في مسار بيولوجي تحكمه ممارسات عفوية وتلقائية منبعها حاجات ودوافع ملحة، كما أن الحركات الاحتجاجية هو نتاج مجموعة من العوامل وهي: الإقصاء والتهميش واخفاقات التنمية.

     يتميز الاحتجاج المغربي بالتأرجح بين العفوية والتنظيم والإخفاق والفشل في الوصول إلى المبتغى. مما يطرح صعوبة على المستوى التصنيف والتفكيك بيحت ينظر إليه أحيانا كممارسة لتخويف السلطة، وفي أحيانا أخرى كممارسة للتنفيس عن الغضب الاجتماعي.

وإن طريقة الاحتجاج بالمغرب ليست لها خطاطة نمطية جاهزة تحدد وقت الظهور والنتائج المستهدفة، مما يخلق مشاكل متعلقة بأهداف هذا الاحتجاج بحد ذاته.

    كما أن الحركات الاحتجاجية بالمغرب لها خصوصية تتجلى من خلال الفترات الحساسة من تاريخ المغرب، وإن أغلب الاحتجاجات بالمغرب ينطلق بشكل عفوي؛ وهذا ما يفسر عدم تحولها إلى حركة اجتماعية منظمة ومستمرة. ويرجع نتاج الحركات الاحتجاجية بالمغرب إلى ثلاث أسباب أساسية: الأزمة البنيوية، والصراع السياسي، والعمل الاجتماعي حسب الدكتور العطري.

سنتناول في هذا الموضوع قراءة في الفصول الثالث والرابع والخامس من كتاب "الحركات الاحتجاجية بالمغرب" الدكتور عبد الرحيم العطري.

 مسارات الفعل الاحتجاجي (الفصل الثالث)، الحركات الاحتجاجية بالمغرب (الفصل الرابع)، ملامح الاحتجاج المغربي (الفصل الخامس).

 

الفصل الثالث: مسارات الفعل الاحتجاجي  

     استهل المؤلف "عبد الرحيم العطري" هذا الفصل بالتأكيد على أن أي حركة احتجاجية لا بد لها من مسار وتاريخ يحكمها، وهذا المسار يتمثل في مسار بيولوجي تحكمه ممارسات عفوية وتلقائية منبعها حاجات ودوافع ملحة تحكمه، وانتقل العطري بعد ذلك إلى تناول شروط إنتاج الحركة الاحتجاجية التي حددها في عوامل الإقصاء والتهميش واخفاقات التنمية، و حاول العطري جمع هذه الشروط واختزالها في مفهوم الحرمان النسبي، كما يقترحه "تيد روبرت" الذي يرى أن الحرمان النسبي هو المسؤول المباشر عن أشكال العنف والاحتجاج والاختلال التي تلحق النسق.

إن هذه النظرية لها أهمية كبيرة في هذا الموضوع، فالكاتب "تيد روبرت" كرز في كتابه المعنون بعنوان لماذا يتمرد البشر؟ على فكرتين أساسيتين هما العنف السياسي والحرمان النسبي وهما فكرتان بتناولهما في مجمل كتابه.

     فهو يعرف الحرمان النسبي بأنه إدراك الأطراف المتفائلة في النسق للتناقض بين توقعاتهم وقدراتهم المتعلقة بظروف الحياة التي يعتقد البشر أن لهم حقا فيها، وبناء على هذا النظرية تقوم على تصور مفاده أن ولادة الحركة الاحتجاجية تعود إلى شعور الأفراد بالحرمان من السلع والخدمات والامتيازات، فالأفراد الذين تنقصهم السلع والخدمات هم الأكثر نزوعا نحو تنظيم حركة اجتماعية من أجل تحسين أو الدفاع عن ظروفهم المعيشية. فتاريخيا يعود استخدام مفهوم الحرمان النسبي إلى اربعينيات القرن الماضي وذلك للدلالة على مشاعر الفرد الذي يفتقر لمركز ما أو لظروف، ويعتقد أنه يجب أن تتوفر له وفي معرض تناول "تيد روبرت" غير للحرمان حدد له ثلاثة أنماط.

يقول عبد الرحيم العطري أن الفعل الاحتجاجي لن يتأتى من فراغ بل هو نتاج لعوامل متعددة، وقد تناولها من المبحثين التاليين.

 

المبحث الأول: الأزمة وشرط التوازنات

     انطلق المؤلف من فكرة أنه ثمة أسباب تقف وراء كل واقعة اجتماعية، فالأصل أن الأفراد يلجؤون للاحتجاج لتغيير أوضاع وتحقيق أخرى تستجيب لمتطلباتهم بشكل يعكس الحرمان النسبي، فالعطري في سياق حديثه عن الأسباب وراء الفعل الاحتجاجي توقف عند الأزمة والاختلال وشرط التوازنات الذين يشكلان حافزا ومولدا للاحتجاج الذي يتحول إلى حركة احتجاجية، فمناخ الأزمة والاختلال يساهم بشكل كبير في ميلاد الحركات الاحتجاجية وتعزيز الصراع بين الفاعلين الاجتماعيين لأنه بكل بساطة الأزمة ماهي إلا تعبير عن اختناق بنيوي وكذلك الأمر بالنسبة للاختلال الذي يعبر عن ألا توازن في الاستفادة من خيرات النسق.

     وبذلك تكون الحركات الاحتجاجية وسيلة للكشف عن التناقض بين الطبقات وبين الفاعلين الاجتماعيين.

 خلاصة لما سبق القول إن عبد الرحيم العطري حدد الأسباب الحقيقية في اندلاع الفعل الاحتجاجي في ثلاثة الأزمة والاختلال وشرط التوازنات بشكل عام.

إن هذه الأسباب الثلاث تعتبر نوات إي حركة احتجاجية، وما أود إضافته كتوضيح لما سبق؛ فالمسببات التي تتحكم في بروز الفعل الاحتجاجي هي: الأزمة البنيوية، الصراع السياسي، العامل الاجتماعي.

         الأزمة البنيوية:

      فقد سجلت الاحتجاجات أقوى حضور لها في ظل أزمات بنيوية تعتري النسق المجتمعي. فانتفاضة أذار (مارس)1965 جاءت نتيجة موضوعية انخرط فيها النظام السياسي المغربي، وتعبر الأزمة البنيوية عن درجة من العطب والاختلال يعسر معها الضبط التام لكافة تفاصيل الحياة المجتمعية ما يقوي احتمالات الخروج عن طوع يؤسس لاحتمالات التوتر والاحتقان.

 الصراع السياسي:

 فالحركات الاحتجاجية تنتج في الزمن المغربي بفعل التوظيف السياسية في إطار صراعات النسق فتمة حركات ما كان لها أن تندلع لولا رهان التوظيف السياسي.

         العامل الاجتماعي:

      يظل من أكثر العوامل حضورا في تفسير السلوك الاحتجاجي بالمغرب، فأغلب الحركات التي عرفها المغرب كانت بسبب وطأة الظروف المعيشية، فمن أعماق الهامش المقصي تنطلق شرارة الفعل الاحتجاجي فالزيادة في أسعار المواد الاستهلاكية الأساسية كانت عنصرا حاسما في صناعة انتفاضات التي عرفتها المملكة في السنوات 1981 و1984و1990.

 

المبحث الثاني: سيرورة الفعل الاحتجاجي

     حاول العطري سرد أهم المراحل التي يمر منها الفعل الاحتجاجي، فقد أكد أولا على أن الفعل الاحتجاجي هو سيرورة حتمية اجتماعية لها قانونها الخاص ينظمها فهو بحاجة إلى مسار وسيرورة خاصين بالإضافة إلى أسس موضوعية تضفي عليه الشرعية. فقد أشار العطري إلى أن ما يميز الحركة الاحتجاجية هو وجود عنصران أساسيان هما الأيديولوجية والتنظيم، فكل ممارسة احتجاجية بحاجة إلى سند فكري محفز ولو على درجة محدودة، وكذلك توفر مجموعة من الأدوات لتحديد ملامح الاحتجاج.

تم انتقل العطري إلى تطرق بالتفصيل لأهم المراحل التي يمر منها الفعل الاحتجاجي والتي حصرها في خمسة مراحل وهي: مرحلة الإنتاج، مرحلة التعبئة، مرحلة التعبير، مرحلة الردود، مرحلة التجذير.

     هذه هي كل المراحل التي يمر منها الفعل الاحتجاجي بدءا بالولادة ثم التطور والممارسة التي تمر بلحظات الفعل ورد الفعل ثم الانتهاء أما بالنجاح أو الإخفاق.

كما تحدث العطري عن الممارسة الاحتجاجية وعلاقتها بمالكي وسائل الإنتاج وكذا نوعية الاحتجاج التي تحدد ردة فعل هؤلاء فكلما كان الاحتجاج بسيطا في منشأه ومقاصده تكون آلية التطبيع والاحتواء الوسيلة المناسبة، أما إذا كان الاحتجاج يفوق المتوقع يكون المنهج المناسب اللجوء إلى العنف بنوعيه.

     كذلك أشار إلى حقيقة ينبغي التصريح بها وهي أن نجاح أو فشل الفعل الاحتجاجي ليس متوقف على من يتوجه إليهم الاحتجاج بل من يمارسونه هم كذلك مسؤولين في نجاح أو إخفاق مشروعهم ومرد ذلك طبعا إلى قوة الفعل وسنده الفكري إضافة إلى القدر الكافي من التنظيم والاستمرارية.

     لقد تحدث عبد الرحيم العطري بنوع من الحنكة عن أهم المراحل التي يسلكها الفعل الاحتجاجي وما أود إضافته بهذا الخصوص هو أن هذا الفعل انتقل من نمط الاحتجاجات المميتة إلى نمط الاحتجاجات السلمية، فبعد الاستعمار أصبحت الحركات الاحتجاجية وسيلة لتصريف الصراع السياسي الأيديولوجي بين الأحزاب السياسية والسلطة الحاكمة، فقد خفت حدة الصراع في التسعينات حيث اتخذت الحركات الاحتجاجية أشكال أقل عنف وأكثر تنظيما تزامنا مع موجة حقوق الإنسان وارتفاع المطالب الاجتماعية على حساب المطالب السياسية.

 

الفصل الرابع: الحركات الاحتجاجية بالمغرب

استهل الكاتب هذا الفصل بطرح العديد من التساؤلات

ماهي أشكال الاحتجاج بالمغرب؟ وماهي طريقة اشتغال الحركات الاحتجاجية بالمغرب؟ وكيفية ممارسة التصعيد والانتقال من الاحتجاج العرضي إلى الحركة الاجتماعية القصوى والمؤثرة في مسارات صناعة التغيير بالمغرب.

أبرز لحظات خروج الحركات الاحتجاجية عن القائم من أوضاع.

 

        مميزات النموذج الاحتجاجي المغربي:

     يتميز الاحتجاج المغربي بالتأرجح بين العفوية والتنظيم والإخفاق والفشل في الوصول إلى المبتغى.

     كما أنه يطرح العديد من الصعوبات على مستوى التصنيف والتفكيك بحيث ينظر إليه أحيانا بأنه ممارسة لتخويف السلطة أو كممارسة للتنفيس عن الغضب الاجتماعي.

أما طريقة الاحتجاج بالمغرب فعلى عكس بعض البلدان المقارنة ليست لها خطاطة نمطية جاهزة تحدد وقت الظهور والنتائج التي يمكن أن يؤول إليها، وهذا ما يخلق مشاكل متعلقة بأهداف هذا الاحتجاج بحد ذاته.

ولقد قسم العطري هذا الفصل إلى مبحثين أساسيين انطلاقا من الأزمنة الكبرى التي عرفها الاحتجاج المغربي. بحيث تناول في (المبحث الأول) أشكال الاحتجاج في زمن السيبة، فيما ناقش في (المبحث الثاني) ما يسمى بزمن الانتفاضات الكبرى.

 

المبحث الأول: زمن السيبة

     تناول الكاتب في هذا المبحث التمييز بين ثقافة الاحتجاج في المغرب والعالم الإسلامي التي وصفها بأنها مبنية أساسا على الرفض على عكس ثقافة الاحتجاج الغربي التي تنبني على الطلب، كما فسر طبيعة الاحتجاج في المغرب التي حسم فيها الشارع المغربي الكثير من اللحظات التاريخية تمثلت في إسماع  صوته الرافض للتهميش في عز القمع، رغم أن  نتيجتها لم تصل إلى درجة الإطاحة بالنظام السياسي ولم تؤثر على بنية النظام التي عرفها المغرب خلال القرن التاسع عشر، بل هي ارتبطت بالأزمات التي كان يعيشها المغرب خلال هذه الفترة، والتي كانت متوالية بمعدل ثلاث سنوات من الصعوبات في كل عشرية حيث عرف المغرب أزمات اقتصادية واجتماعية خانقة بلغت ذروتها في سنتي 1863 و 1878 والتي نتجت أساسا عن الجفاف وتراجع المحاصيل الزراعية بحيث استعصى على المخزن خلال هذه الفترة ببسط سيطرته على كل القبائل المغربية فهناك مناطق سميت ببلاد المخزن يؤكد فيها هذا الأخير حضوريه بشكل بارز ولافت وهذه المناطق تشمل السهول، والهضاب، الأطلسية الجنوبية، والممرات والطرق الكبرى المؤدية إلى وجدة وتافيلالت كما تشمل أيضا أهم المدن وأكثر الأسواق رواجا والتي يقيم فيها الأغنياء ودو النفوذ وأعيان القبائل.

     أما المناطق الأخرى، فسميت بمناطق السيبة وكانت مرتعا للرفض والاحتجاج وتكللت جميع محاولات الاحتواء التي يقوم بها المخزن لهذه المناطق بالفشل نتيجة للمقاومة الشرسة التي يظهرها سكان هذه المناطق. رغم أنها تربطها علاقة بيعة بالنظام إلا أنها ترفض أداء الضرائب ولا تساهم في الحركات التجارية السلطانية، وهي ذات خضوع نسبي للمطالب المخزنية على عكس بلاد المخزن فظاهرة السيبة كما وصفها الاستاذ محمد العطري لم تكن مجرد امتناع عن أداء الضرائب، بل كانت تعبير عن رفض الانطواء تحت لواء السلطة المخزنية، وهي بذلك حركة احتجاجية وسياسية وليست اقتصادية فقط.

 

المبحث الثاني: زمن الانتفاضات الكبرى

     ربط الاستاذ العطري التحديد العمري للاحتجاج المغربي المعاصر بمجموع التمردات والانتفاضات والمظاهرات ذات البعد الجماهيري التي عرفها المغرب أواخر القرن التاسع عشر.

رغم أن هناك فئة تربطه بمنتصف القرن العشرين، وبذلك فالحقب الزمني للاحتجاج بالمغرب يبتدئ من الانتفاضات التي عرفها المغرب، ابتداء من انتفاضة الدباغين بفاس لعام 1873 وانتهاء بانتفاضة فاس سنة 1990.

     ويعتبر "عبد اللطيف المنوني" انتفاضة الدباغين بفاس أول ثورة عمالية بالمغرب وكانت من توقيع الدباغين الدين رفضوا مبايعة السلطان محمد بن عبد الرحمان دون إعفائهم من المكوس: والمكوس هو نظام ضريبي قديم يفرض على أصحاب المحلات التجارية، واستمرت هذه الانتفاضة لأزيد من سنة ما بين 1973 و1974 تميزت بأحداث شهدتها مدينة فاس والبوادي المجاورة لها ليؤرخ لها "بعيطة بنيس" عرفت عصيانا مدنيا، وانتهت بتقديم السلطان لوعده بالاستجابة لطلب المحتجين، ومعه استعادت المدينة هدوءها المعتاد.

     وتوالت الحركات الاحتجاجية بالمغرب بحيث ظهرت حركة "الجيلالي الزرهوني" في خريف سنة1902 والتي تمرد فيها "الجيلالي الزرهوني" ضد السلطان عبد العزيز رفضا للممارسات التي كان يقوم بها "أحمد بن موسى"،وضد التدخل الأجنبي في شؤون البلاد.

     وبعد ذلك ظهرت انتفاضة الاسكافيين بمراكش سنة 1904 والتي جاءت بسبب بدأ السلطة المخزنية في ترويج عملة جديدة (نحاسية) بعد إبرامها اتفاقا مع البنك الألماني حيث لم يستسغ الحرفيون هذه العملة النقدية الجديدة وخرجوا للاحتجاج ضد هذا الاتفاق.

     أما انتفاضة الدار البيضاء لسنة 1952 عشية اغتيال النقابي التونسي فرحات حشاد شهدت مدينة الدار البيضاء أحداث درامية تميزت بالاحتقان والتوتر حيث اندلعت انتفاضة شعبية بداية من "كاريان سنطرال" لتعم بعد ذلك جميع أحياء البيضاء، وانتقلت من التنديد بالاغتيال إلى المطالبة بالاستقلال، ما جعل سلطات الحماية تنزل بأجهزتها العسكرية لقمع هذه الانتفاضة.

     وبعد الاستقلال شهد المغرب أيضا حركات احتجاجية نتيجة للظروف الاجتماعية والاقتصادية بدأ من تمرد "عدي أوبيهي" سنة 1957 أي بعد سنة من الاستقلال مرورا بانتفاضة الريف لسنة 1985 وانتفاضة 20 يونيو لسنة 1981 وأيضا انتفاضة يناير 1984 وانتفاضة 14 دجنبر1990 وهذه هي أبرز المحطات الكبرى التي عرفها تاريخ الاحتجاج المغربي، والحركات الاحتجاجية المغربية.

 

الفصل الخامس: ملامح الاحتجاج المغربي

     يستهل عبد الرحيم العطري هذا الفصل من كتابه " الحركات الاحتجاجية بالمغرب" بمجموعة من الأسئلة التي تحدث أرقا فكريا لدى القارئ، وتجعله يقف عندها بشكل مطول.

كيف يقدم الاحتجاج المغربي ذاته؟ وكيف يسوق مشروعه ومطالبه؟ من يوجهه ويتحكم في خططه وتحركاته؟ ولماذا يفشل في التحول إلى حركة اجتماعية أو تجربة ثورية؟ بل لماذا يعجز حتى في الوصول إلى تحقيق مطالبه وأهدافه؟

   إجابة عن كل هذه الأسئلة قسم الكاتب هذا الفصل إلى مبحثين حيث تناول في (المبحث الأول) أسباب نتاج الحركات الاحتجاجية بالمغرب التي أرجعها إلى ثلاث أسباب، فيما تناول في (المبحث الثاني) طرح الكاتب سؤال الثابت والمتغير للبحث عن خصائص السلوك الاحتجاجي بالمغرب.

 

المبحث الأول: الانبناء والتصريف

    إن المغرب شأنه كشأن كل الدول عرف مجموعة من الانتفاضات والحركات الاحتجاجية منذ زمن السيبة والمخزن مرورا بالتمردات والانتفاضات الكبرى وانتهاء بجو الاحتقان الاجتماعي، التي طبعت الحركات الاحتجاجية المغربية بخصوصية جعلت ثقافة الاحتجاج مؤثرة في دينامية المجتمع المغربي.

    ويرى الكاتب أن هذه الخصوصية تتجلى من خلال تأمل هذه الفترات الحساسة من تاريخ المغرب، والتي يرى الكاتب أن أغلبها ينطلق بشكل عفوي؛ وهذا ما يفسر عدم تحولها إلى حركة اجتماعية منظمة ومستمرة.

    كما يؤكد على أن زمن الانتفاضات الكبرى والصغرى وقبل زمن السيبة، تتنوع وتتناقض لكنها في مجموع اختلافها وتميزها، تكشف عن خاصية الانقسامي البنيوي للمجتمع المغربي..

    إن سوسيولوجيا الاحتجاج المغربي كما يؤكد على ذلك الكاتب في المبحث الأول المعنون ب " الإنبناء والتصريف" لا يتوفر على خطاطة جاهزة ونمطية، إذ أنه يكون أحيانا بجينات سوسيو اقتصادية وحينا آخرا يكون برداء سياسي، وحينا يكون له بعد ثقافي أو ديني... وفي أحيان أخرى يندلع بشكل عفوي.

 

أرجع الأستاذ عبد الرحيم العطري نتاج الحركات الاحتجاجية بالمغرب إلى ثلاث أسباب وهي:

         الأزمة البنيوية:

     فالحركات الاحتجاجية هي نتاج موضوعي لمناخ الأزمة البنيوية، تتكثف على إثرها الأحداث وتترسب عبرها السلوكات والخطابات التي تمهد لبناء علاقات معطوبة بين الفاعلين في النسق، تنتهي بالتعارض والعنف والعنف المضاد.

         الصراع السياسي:

     الحركات الاحتجاجية حسب الكاتب تنتج أيضا بفعل التوظيفات السياسية في إطار صراعات النسق، ذلك أن أغلب الانتفاضات السياسية هي نتيجة لسلسة من الإخفاقات والصراعات السياسية التي بصمت علاقة القصر بأحزاب المعارضة في زمن مغربي عرف بدينامية الحركات الاحتجاجية، ويكون الاحتجاج بذلك انعكاسا وامتدادا لصرعات الحقل السياسي، وهذا ما يؤكده أيضا الباحث عبد الرحمان رشيق، فزمن ستينيات وسبعينيات القرن الماضي تميز بتنافس ومواجهة بين الملكية والمنظمات الحزبية المنبثقة عن الحركة الوطنية. ففي ظل سياق سياسي سلطوي كان سجل الفعل الجماعي، قد كان يستخدم أكثر من غيره وسيلة للاحتجاج الاجتماعي، ويتكون في الغالب من الإضراب القطاعي للموظفين والمستخدمين، وإضراب الطلبة وتلاميذ الثانويات.

 كانت الحركات الاجتماعية إلى أمد طويل في مواجهة مستمرة مع السلطة السياسية بحيث كان كل احتجاج اجتماعي يكتسي بعدا سياسيا ضد الدولة.

         العمل الاجتماعي:

   برجوع إلى الذاكرة الاحتجاجية في العالم العربي تؤكد على أن أكثر الأحداث عنفا ومواجهة بين السلطة الحاكمة والجماهير، كانت على خلفية دواع اجتماعية، ذلك أن الحركات الاجتماعية تتحرك وفقا لتطور خطي من الشعور بالغضب إلى فعل احتجاجي للجماهير.

     ويؤكد العطري على أن فكرة التجمع تعطي الاحتجاج الاجتماعي قوة، فالمجتمع يولد إحساسا بالقوة والعنف، إنه يخلق ويحرر التوترات المتراكمة الناتجة عن خنق الطاقات الفردية والجماعية، وهذا ما يفسره الكاتب بقوله:" أن الموقف الاحتجاجي يتحول بفعل التجمع إلى فضاء للتفريغ السيكولوجي نتيجة للشحنات المكبوتة داخل الفرد بفعل القمع والخوف، خاصة في الأنظمة الاستبدادية".

      ويذهب العطري إلى أن الاحتجاجات كنزاعات اجتماعية أو سياسية، تتأسس معطياتها وجيناتها الأولية أيضا في ظل العامل الديني الذي يعتبر محركا مركزيا لصناعة الفعل الاحتجاجي.

 

        المبحث الثاني: سؤال الثابت والمتغير

      في سياق بحث الكاتب عن خصائص السلوك الاحتجاجي بالمغرب ينطرح سؤال الثابت والمتغير، ذلك أن الثابت حسب الكاتب هو الإخفاق الجزئي للحركات الاحتجاجية وعسر الانتقال إلى مستوى الحركة الاجتماعية، أما المتغير فيكمن في التوجه السلمي والانتقال من الثقافة الصدامية إلى المطلبية السلمية، ثم الإبداعية في الشكل والمضمون، فضلا عن تعدد الفاعلين وثراء الثقافة المطلبية.

وبحثا عن الثابت والمتغير في الفعل الاحتجاجي المغربي:

 

         على مستوى الثابت:

  يؤكد الكاتب على أن الإخفاق والخفوت السريع للحركات الاحتجاجية ظل ملازما لكثير من التجارب الرافضة للأوضاع القائمة.. فسؤال الإخفاق والخفوت السريع يظل من أكثر الملامح ثباتا في اشتغال الحركات الاحتجاجية بالمغرب، ويعتبر صاحب الكتاب أن هذا الخفوت السريع للحركة الاحتجاجية هو ما يعيق انتقالها إلى الحركة الاجتماعية.

     إضافة إلى ما سبق هناك ثابت يجده الكاتب في جغرافيا الحركات الاحتجاجية مفتوح على الصراع السياسي باستمرار لتحولات النسق، فعلى امتداد الخط الاحتجاجي يظهر الصراع بين المواطن والدولة وذلك لفرض تنازلات على السلطة القائمة.

         على مستوى المتغير:

     إن المتغير في الاحتجاج المغربي يتجلى من خلال كونه سائر نحو التخصص في مطالبه، فقد صارت حركاته تتجه رأسا نحو التخصص بالاشتغال على قضايا جزئية ومتابعتها، وهذا ما يفسر تراجع الحركات الاحتجاجية الكبرى واتساع مجالات تحركات الاحتجاجات الصغرى.

     فالاحتجاج المغربي صار يرتكن لثقافة اللاعنف، (لم تعد الاحتجاجات الاجتماعية تختزل في النزاعات الاجتماعية الأفقية بين الطبقات الاجتماعية، بل تضع أيضا في الصدارة نزاعات اجتماعية جديدة عمودية.

 إذا كانت الحركات الاجتماعية الكلاسيكية تسعى إلى الدفاع عن المصالح المادية الفئوية والرمزية، فإن الحركات الاجتماعية الجديدة تنظم نفسها أولا حول مجموعة من القيم. فقد أبرزت الحركات الأخيرة أشكال أخرى للهيمنة الاجتماعية، والجنسية، أو اللغوية.

فإن خاصية هذه الحركات الاجتماعية الجديدة أنها ليست نتاجا لعلاقات الإنتاج الاقتصادية، وتزحزح، فيما يبدو، الأشكال الكلاسيكية لتدبير النزاع الاجتماعي والتمثيل السياسي) على مستوى المتغير أيضا يرصد الكاتب تحولا في الثقافة الصدامية من العنف المادي والجسدي إلى عنف لفظي بالدرجة الأولى.

     إن فعل الاحتجاج المغربي طبعته تطورات على مستوى الشكل والمضمون، لعل أهمها هو احتلال الفضاء العمومي،

     وهذا ما أكد عليه الباحث في علم الاجتماع عبد الرحمان رشيق بقوله أن هذا العهد الجديد يتميز بسيرورة "عصرنة" الاحتجاج الاجتماعي. حيث تمارس الحركات الاجتماعية ضروبا متعددة من الضغط على الدولة من أجل احتلال الفضاء العمومي بكيفية سلمية، ومن ثم، من أجل التعبير عن مطالبها، وآرائها، ومشاعرها.

    إضافة إلى كون الحركات الاحتجاجية في السنوات الأخيرة صارت مفتوحة على العديد من القواسم المشتركة التي تميزها وتجعل منها ممارسة وفية لمتنها المغربي، كمجتمع مركب تتوزعه العديد من الرهانات والصراعات والأنماط الإنتاجية.

   ويرصد الكاتب عنصر المتغير أيضا من خلال اتسام الحركات الاحتجاجية في طبعتها الراهنة بمحدودية التأطير والدعم الحزبي.

 


تعليقات