القراءة في الفصول السابع والثامن والتاسع من كتاب "الحركات الاحتجاجية" بالمغرب للكاتب الدكتور عبد الرحيم العطري
إن الهدف الأساسي من هذه القراءات الممكنة للاحتجاج بالمغرب هو
فهم وتفهم المجتمع في محك الاشكال الاحتجاجية، بالاعتماد على مضمون الاجابات التي
تم تحصلها من المبحوثين ومقارنتها مع ما تم الوصول إليه في المقاربة النظرية.
أن
دراسة السلوك الاحتجاجي بالمغرب، دراسة علمية مجتمعية تحتاج إلى قواعد وأسس علمية
من أجل تحليل وتفسير خاصة في العلوم الاجتماعية من بينها الاعتماد على البحث
الميداني، والهدف الأساسي من هذه القراءات أو الد راسة الممكنة للاحتجاج بالمغرب
هو فهم وتفهم المجتمع في محك الاشكال الاحتجاجية، بالاعتماد على مضمون الاجابات
التي تم تحصلها من المبحوثين ومقارنتها مع ما تم الوصول إليه في المقاربة النظرية.
الحركات
الاحتجاجية بالمغرب باتت تؤسس لنفسه ثقافة خاصة بها خصوصا في المجال الحضري،
والدليل على هذا وجود ثقافة مؤطرة للاجتماع والانتماء خاصة في العالم الحضري الذي
تبدو فيه المعرفة الاحتجاجية دقيقة بخطوات تنفيذية ثابتة وإعمال الممارسات الاحتجاجية،
على خلاف العالمين القروي وشبه الحضري الذي تبدو فيه المعرفة الاحتجاجية متواضعة وهشة
للغاية، بحيث تظل العفوية أكثر بروزا في الاشتغال بدل من الاحتراف في الضغط
والإحراج.
في
قراءتنا لهذه الفصول الثلاث سنتناول في (الفصل السابع) الاحتجاج المغربي.. ممكنات
القراءة وفي (الفصل الثامن) السلوك الاحتجاجي بالمغرب، تم في (الفصل التاسع) ثقافة
الاحتجاج بالمغربي.
الفصل
السابع: الاحتجاج المغربي.. ممكنات
القراءة
اعمالا منه
لمناهج المسح الميداني، المقابلة، الملاحظة، والمنهج البيوغرافي – فقد
قدم الكاتب خلال هذا الفصل تفريغا لنتائج ذلك
البحث الميداني، حيث استهله بطرح مجموعة من التساؤلات من قبيل:
كيف يقرا الاحتجاجي المغربي في أكثر من مجال؟ وكيف
قاربه بدءا من انطراحه الحضري ومرورا بشكله الشبه الحضري وانتهاء بملمحه القروي؟ وما
القراءات الممكنة وما التحديات الاكثر بروزا في ممارسة الاحتجاج المغربي؟
معتبرا اياه أهم انتظارات الفصل في التحصيل الميداني من خلال نتائج
المقابلات والملاحظات المنجزة، من خلال خلاصات ما شاهد وما سمع في فضاء الاحتجاج
من مقولات وإشارات مما يفرض وجوب ثقافة خاصة محصورة لدى السوسيولوجيا.
ثقافة الملاحظة والمقابلة تظل شيء ضروري باعتبارهما المؤطرين
لاستراتيجيات الدرس والتحليل، معتبرا أن الضرورة إلى باحثين ميدانيين قادرين على
استخلاص تجربة المبحوثين مع الاحتجاجات، استحضارا منهم للهاجس الامني وخوفهم من
البوح بالحقيقة وصعوبة إقناعهم وانحصار المبحوثين من المعارف.
مستخلصا أن الهدف الأساسي من هذه القراءات الممكنة للاحتجاج بالمغرب
هو فهم وتفهم المجتمع في محك الاشكال الاحتجاجية، بالاعتماد على مضمون الاجابات
التي تحصل عليها من المبحوثين ومقارنتها مع تلك المهتدي اليها في المقاربة النظرية
من قبل، اعتبار منه أن فصل النظري عن الميداني لا تفيد الخطاب السوسيولوجي.
المبحث الأول: الاحتجاج.. قول وفعل
في هذا المبحث انطلق الكاتب من الاشكال التعبيرية التي تحدث بها
المبحوثين عن تجربتهم الاحتجاجية، وقسمه الكاتب إلى ثلاث مكونات: دلالي (يفسر تمثل
الاحتجاج)، تعبيري (يحدد الغاية)، ديني (يحدد الإطار المرجعي).
المكون الدلالي:
خلص الباحث إلى أن الأشكال الاحتجاجية مثل المظاهرة أو الاضراب هما
الغالبين، ونادرا ما يتم استعمال تعبيرات وقفة احتجاجية أو اعتصام مفتوح أو مسيرة
سليمة، والتي كانت غريبة على المشهد الاحتجاجي بالمغرب ولم يتم تسويقها إلا في
اواخر عقد الثمانينات لأن شكل الاحتجاج وتوصيفه لم يكن مهما بقدر ما كان يهم
مضمونه.
المكون التعبيري:
خلص الباحث إلى أن هناك إجماع بين المبحوثين أن
مشاركتهم في الاحتجاج هو من القول أي أنهم يستعملون اللغة والجسد للتعبير عن رأي أخر
غير الذي تطمئن إليه القوى المالكة، فاللغة تعطي للخطاب مفهوم يدرك من خلاله
مكوناته بتحويل الاحتجاج من قول إلى موقف.
المكون
الديني:
الجواب عن السؤال الإطار والمرجعي هو "باش نقول اللهم هذا
منكر" في حضور قوي في السلوك الاحتجاجي في المغرب منذ عهد الاستعمال وقراءة
اللطيف بالمساجد، في ارتباط وثيق بين الاشكال الاحتجاجية عن الاسلام الشعبي، وتحدث
هنا الكاتب عن علاقة الزاوية بالسلطة المخزنية هل هي منتجة لأشكال الاحتجاج أم
حليفة لها.
فحسب بعض المبحوثين فان الاحتجاج ليس وسيلة للتعبير عن رأي فقط وإنما
هي وسيلة للضغط من أجل تغيير الاوضاع والتأثير على مجريات الاحداث والسياسات
والمواقف ولتكييفها وتوجيهها نحو المصالح الاساسية لممارسي الفعل الاحتجاجي.
الاحتجاج يولد صراع وتنافس بغرض الهيمنة في حلقة مغلقة تنتج تمثلات
لا تخرج عن هذا الصراع، منبثقة عن عمل جماعي يهتدي إليه الفرد المنتمي اليها.
عدد من المبحوثين اعتبروا من يمارس الاحتجاج شخص فوضوي ومشاغب وغير
واقعي في الان نفسه مناضل وملتزم يحارب طواحين الهواء.
معتبرا ان اي فرد ينتمي للجماعية ويتبنى افكارها ومبادئها وأي خروج
عن ذلك يكون تمثلا معيبا حتى لو كان صائبا، ويصير هذا الفرد في نظر الجماعة فوضويا
ومشاغبا ليس فقط من المبتدئين وإنما حتى من خبروا وعانقوا مدارج الاحتجاج متسائلا
عن السبب وراء ذلك؟
التأويل لا يعني فقط فهم شيء خارجي محايد موجود سلفا، وإنما هو مرتبط
بما تنتجه الجماعة من تصور وفهم خاص لما يعتمل داخل النسق، وهو ما يجعل من الفرد
في المجتمع المغربي ما هو عليه سوء أن يكون تابعا ومنصاعا لما ترتضيه له الجماعة
المنتمي إليها والوعي بانتمائه، وأي مخالفة لذلك يعد فوضوي ومشاغب، وتصبح الممارسة
الاحتجاجية في نظر المحتجين فعل أجوف بلا معنى تقود فقد إلى المتاعب وسوء العلاقة
مع مالكي وسائل الإنتاج والإكراه.
ولا ينتج عن القول أو الفعل الاحتجاجي قبول اجتماعي من قبل المدعوين
أصلا لممارسته بسبب الضغوط الممارسة من قبل مالكي الانتاج والإكراه عن طريق
استعراض القوة لتخويف المواطنين وترسيخ لهم ثقافة الخضوع والإجماع بكل ما يصدر
عنها، وهذا يخفي ضعفا متزايدا أو يعكس صورة الدولة العنيفة، وغالب المبحوثين في
المجالين يحذرون من الاحتجاج لأن عواقبه وخيمة عليهم. أن كل المطالب المحتج عليها
يمكن تحقيقها بتدخل المعارف أو انتظار الفرج مما يعكس ايضا دولة المعطاء.
وترسيخا للخوف المتغلغل في اعماق المغاربة وبالخصوص عائلاتهم جعلت
منهم يحثون ابنائهم أو ازواجهم على عدم المشاركة في احتجاج ما أو مسيرة ما تذكيرا
منهم لسنوات الرصاص وتدخلات الاجهزة الأمنية.
وهناك عدد لا يستهان به رغم عدم تعبيره عن سخطه بشكل علني والاكتفاء
بضمره من خلال تأملاتهم لحال المحتجين قبل الانصراف سواء بشكل تلقائي أو بفعل تدخل
قوى الأمن، لكون الدولة تهاب التجمعات بوضع الحواجز وحظر التجوال لعزل المحتجين
حتى لا يخلق لهم جو التضامن والتأييد وزيادة عددهم.
وضرب هنا مثلا بمجموعة من الانتفاضات الشبابية التي اجتاحت العالم
كحركة جون بول سارتر، ميشيل فوكو، عالم الاجتماع بيير بورديو، عكس ما يشهده
المجتمع المغربي فنادرا ما يخرج الكبار للتضامن إلا إذا كان محسوبا وسائر على درب
الشرعنة.
وخلص الكاتب في
ختام هذا المبحث أن الدراسة التي شملت 23 حركة
احتجاجية بشارع محمد الخامس بالرباط لم يتم تسجيل أي تحرك تضامني من قبل المارة
ويكتفون فقط بالتأمل حتى لو كان ذلك الاحتجاج يدافع عن مصالحه خوفا من وسائل القوة
المستعرضة.
المبحث الثاني: جذور الممارسة
استهل الكاتب هذا المبحث متسائلا عن جذور ممارسة الاحتجاج منطلقا من اجابات
بعض المبحوثين بقول أحدهم أنه يريد التعبير عن وجوده ويدافع عن نفسه وليأخذ حقه
بعد هدم منزله استشعارا منه للظلم ورغبته في الدفاع عن مصالحه، وآخر من الاطر العليا المعطلة أكد أن انخراطه
في الاشكال الاحتجاجية من أجل التعبير عن يأسه من الإنظار وأن الحقوق تؤخذ ولا
تعطى مبررا نضاله وتجريب أقصى الأشكال التصعيدية، وآخر أكد بأنه شارك لرفع عنهم
التهميش من الملك وأهل الرباط في حضور بارز لثنائية المركز والمحيط، من هنا يتخذ
الاحتجاج طابع الالتماس.
فمن خلال هذه الاجابات خلص الكاتب إلى أن الحركات الاحتجاجية بالمغرب
تغلب عليها ثلاث تصورات لجذور الممارسة تكشف الإطار المرجعي لكل فعل وتكشف هويته
وتحدد حاله ومآله وأن المرء لا يخرج للاحتجاج إلا بعد استنفاد أكثر من وسيلة
تعبيرية عن موقفه واختياره وفق سلم تصاعدي، متسائلا عن السبب وراء ذلك.
ومن المحتجين من عبر عن ذلك بسبب غياب الديمقراطية، والبعض الاخر عبر
عنه بكون دولة زمان ليست هي الدولة الحالية وجب تغيير ممارساتها المفتوحة على
العنف والقمع.
فبتمحيص الطرحين يخلص المرء إلا أنه لا يمكن جعل صدقية أحدهما على
الآخر لكون كلاهما له تفسيره، فالأول يمكن استخلاصه من اتساع هامش الحرية
والانفتاح وتوسيع مجالات الحريات العامة، والثاني يستخلص من القطعية الملحوظة مع
سنوات القمع في سجلين متناقضين وهما دولة الحق والقانون ودولة القمع، ورغم ذلك يظل
المغرب الاجتماعي مفتوح على الهشاشة والإقصاء الاجتماعي بسبب غلبة الاحتجاجات ذات
طابع سوسيو اقتصادي.
وتنامي الاحتجاجات من جهة مؤشر على الديمقراطية المعيبة والفشل الدولة،
ومن جهة ثانية تعبير بعض المبحوثين على أن الاحتجاج هو الوسيلة للوصول إلى المطلب
المحتج من أجله. إن الاحتجاج هو حل المشاكل، لان الدولة تلجأ لامتصاصها عن طريق إما
إيجاد حلول آنية أو تسويفية لكسب الوقت أو القضاء عليه باستعمال القوة، إلا أنه
لتلميع صورتها تلجا الدولة أو المؤسسات المحتج عليها إلى امكانيات الاحتواء
والتطويق، وأن أغلب الاحتجاجات تبدأ بملف مطلبي ومع استمرار المواجهة ينتهي بقبول
أقل المطالب مع امكانية استمرار الحالة الموجبة لاحتجاج وهو ما يبرزه استمرار بعض
الاحتجاجات بسبب استمرار الاسباب الداعية لها حسب بعض المبحوثين.
خلص الكاتب في هذا المبحث إلى أن الاختلاف والتنافس والصراع قائم بين
المحتج والمحتج عليهم يعكس واقعا سوسيو سياسي، في واقع لا يعكس قراءة الحركات
الاحتجاجية بعين الاطمئنان منتجة لمفارقة لكل الثنائيات وأنها ملمح أخر لمجتمع
مغربي في محك التحولات.
بقراءة ملخص هذا الفصل ومقارنتها مع المستجدات التي عرفها تاريخ
المغرب الحديث يلاحظ نهج الدولة المغربية لنفس النهج القائم على احتواء الحركات
الاحتجاجية عن طريق ايجاد الحلول وخير دليل على ذلك احتوائها بشكل فعال لحركة 20
فبراير سنة 2011 رغم الاحداث التي رافقتها وما شهدته من تغيير في السياسات العامة
للدولة.
الفصل الثامن: السلوك الاحتجاجي بالمغرب
قسم العطري هذا الفصل إلى مبحثين إثنين حيث عنون (المبحث الأول)
بالأسلوب والسياق، وخص (المبحث الثاني) لمسألة العنف والعنف المضاد.
المبحث الأول: بالأسلوب والسياق
من البديهي أن دراسة السلوك الاحتجاجي بالمغرب، دراسة علمية مجمعية
تحتاج إلى قواعد وأسس من أجل تحليل وتفسير خاصة في العلوم الاجتماعية من بينها
الاعتماد على البحث الميداني وإن كان "العطري" أكد على أن السيسيولوجيا
هو الحقل الذي احتضن الحركات الاحتجاجية بدراسته.
وقد
عمل العطري على دراسة كيفية احتجاج المغاربة وأي أسس من أجل إزالة الغبار حول
الثقافة الاحتجاجية في المغرب، كما أن مسألة التنظيم الاحتجاجي أمر بالغ الأهمية فقد حاول
"العطري" من خلال هذا الفصل رصد تنظيم الحركات
الاحتجاجية واثارة مسألة العنف
والعنف المضاد، انطلقا من سؤال جوهري وهو: كيف يحتج المغاربة؟
فهذا السؤال سؤال تاريخي وممارساتي في الأن ذاته، فهو يُمكن من قراءة
تاريخ ممارسات السلوك الاحتجاجي
كما يفيد في دراسة الممارسات الاحتجاجي في ضوء الراهن. فالاحتجاج في يومنا
هذا يعتبر واقعا متجذرا في المشهد المجتمعي، وقد عرف نموا واساعا الأمر الذي جعل "العطري"
يطرح تسأل جديد عن سلوك الاحتجاجي بالمغرب.
إن
السلوك في أبسط مفاهيمه يعبر عن الفعل والانفعال والتفاعل مع خصائص الذات ومعطياتها
كما جاء على لسان العطري، فكل حركة احتجاجية بالمغرب تتأرجح بين العفوية والتنظيم، فالاحتياج عبار عن مطالبة
بحق من الحقوق أو إعادة توزيع السلط وإعادة التركيب والبناء، والحركة الاحتجاجية
تتكون من مجموعة من الأفكار ونظام من الأفكار والرموز. فأغلب الحركات الاحتجاجية بالمغرب
تفتقر إلى التنظيم الفعال الذي يقودها إلى تحقيق المطالب المرجوة منها.
المبحث الثاني: العنف والعنف المضاد
وقد انتقل العطري في ثاني المباحث من قولة «بورديو" إن أي حقل
يتأسس على الصراع والتنافس، وعندما يستعمل مفهوم الحقل فإنه يحمل بين طياته فكرة
الصراع والعنف والعنف المضاد. ولا يمكن فهم العنف إلا من العنف المضاد، فالفعل يستتبع رد الفعل، وفي
سياق الرد تنكشف صيرورة هوية الفعل الأصلي.
فعلم الاجتماع يعمل على الإحاطة بما هو جماعي لا بما هو فردي إلا أنا
نرى أن هذه الفكرة قد جانبت الصواب عند "العطري"، غير أن علم الاجتماع
يدرس ما هو جماعي وفردي ونجد هذا التوجه عند المقاربات الفردانية مثل ماكس فيبير.
لا
يمكن أن نتصور أن الحركة الاحتجاجية تسير بشكل خطي، فهي تعرف مسارات منعرجة
وانعكاسات وردود أفعال، فقبل الانتقال إلى درجة عليا من الاحتجاج فإن المطالبين
بتحسين الأوضاع يسعون إلى تجربة طرق سلمية في الإفصاح عن مشاكلهم فحينما يكون فعل
الاحتجاج يسعى كل طرف أن تكون كلمته مسموعة بأعلى صوت لكي يؤسس حضوره ويضمن استمراريته
فهذا الأمر يترجم في النهاية بالانتصار واللاهزيمة.
الفصل التاسع: ثقافة الاحتجاج المغربي
يطرح الكاتب في هذا الفصل سؤال الكيف، كيف يحتج
المغاربة؟
ذلك أن الاحتجاج حسب الكاتب يتحول إلى نمط ثقافي يؤسس لذاته وموضوعه
في سياق التبادلات الرمزية التي يحفل بها الحقل المجتمعي.
فهل يتأتى تحديد ملامح الاحتجاج المغربي وفقا للفهم السوسيولوجي
للثقافة؟ وإلى أي حد تنجح الاحتجاجات المغربية في تشكيل وتنضيد ثقافتها الخاصة؟
وإلى أي حد يجوز الحديث عن تبلور هذه الثقافة، وكيف يستقيم هذا الحديث في ظل
الاعتراف القبلي بجنوح الحقل إلى الاخفاء والتورية باستمرار؟
هي جملة من الأسئلة التي حاول الكاتب الإجابة عليها في الفصل التاسع
من خلال مبحثين، حيث
تناول أسئلة التداول في (المبحث الأول)، فيما تناول في (المبحث الثاني) أسئلة
الحال.
المبحث الأول: أسئلة التداول
لقد عمل الكاتب من خلال هذا المبحث قراءة الفعل الاحتجاجي في اختلافه
المجالي المتوزع على الحضري والشبه الحضري والقروي...
يعتبر الكاتب أن الاحتجاج المغربي بات يؤسس لنفسه ثقافة خاصة به
خصوصا في المجال الحضري.
يقول الكاتب " إن وجود الجماعة دليل قوى
على وجود ثقافة مؤطرة للاجتماع والانتماء" ويضيف " ويتحقق التفاعل
والانفعال، وتتوطد عناصر الانتماء من خلال بناء الهوية الجماعية.."
وإذا كان تداول الرموز الثقافية المعبرة عن هوية المشترك الجمعي شرطا
ضروريا لإنتاج وإعادة إنتاج الثقافة الاحتجاجية، فإن هذا التداول حسب الكاتب يظل
محصورا في زمن ومكان الاحتجاج، وممنوعا من التداول والإشهار العمومي، إذ أن
الإعلام يعمل على تبخيس الحركات الاحتجاجية..
ويؤكد العطري على أنه وإن كانت احتجاجات المدن أكثر حضورا في المشهد
الإعلامي المكتوب، فإن الاحتجاجات القروية لا يصل أغلبها إلى الصحافة المكتوبة، بل
إنها تطل ممنوعة من التداول الجماهيري.
وإذا كانت ثقافة الاحتجاج تفترض وجود ثقافة مقابلة لها، قد تكون ثقافة
الخضوع والإجماع، فإنه لا يمكن تصور النسق الثقافي حسب رأي الكاتب بدون فاعلين
ومؤسسات ورموز، ذلك أن تحديد الأعداء والمنافسين والاحتياطين وبشكل دقيق هو ما يسمح
للحركة الاحتجاجية بالنضج وإمكان التحول إلى حركة اجتماعية مستمرة في الزمان
والمكان.
فالاحتجاج بهذا المعنى ومهما تنوعت توصيفات المعني به فإنه يظل في
مواجهة نسق ثقافي وإيديولوجي آخر، إنه صراع كما يقول الكاتب مع طرف ثاني يراد
الاقتصاص منه أو على الأقل دفعه لإعادة توزيع منافع الحقل الاجتماعي.
المبحث الثاني: أسئلة الحال
انطلاقا من أن لكل ثقافة معارفها التي تسير في اتجاه المعرفة العالمة
أو الشعبية. يعتقد الكاتب بأن الممارسة الاحتجاجية وبحكم تشكيلها لثقافة خاصة،
فإنها تنطوي على معارف يمتلكها ويكتسبها المحتجون جراء انخراطهم المستمر في
الحركات الاحتجاجية..
ويرى الكاتب أنه في العالمين القروي
وشبه الحضري تبدو هذه المعرفة الاحتجاجية متواضعة وهشة للغاية، بحيث تظل العفوية
أكثر بروزا في الاشتغال بدل الاحتراف في الضغط والإحراج، وهذا ما يراه الكاتب يفسر
الخفوت السريع للحركات الاحتجاجية.
وبخلاف ذلك فإن المحتجون في العالم
الحضري في غالبيتهم يبدون معرفة دقيقة بخطوات تنفيذ وإعمال الممارسات الاحتجاجية.
والمعرفة هنا حسب رأي الكاتب ليست ضرورية لتأكيد الانتماء إلى السجل
النضالي، بل هو ضرورة للإفادة من خيرات التفاوض مع الدولة أو المؤسسة المعنية بالاحتجاج.