منذ حصول المغرب على استقلاله عام 1956، شهدت المؤسسة التنفيذية في المملكة تحولات هيكلية وسياسية هامة، تجسدت في تعاقب مجموعة من الشخصيات البارزة على منصب الوزير الأول ثم رئيس الحكومة بعد دستور 2011. يعكس هذا المسار التطور المستمر للعلاقة بين المؤسسة الملكية والحكومة، ومراحل البناء الديمقراطي والمؤسساتي في البلاد.
المرحلة التأسيسية (1955-1963): حكومات الحركة الوطنية
في هذه المرحلة، كانت الحكومة الأولى تجسيداً لوحدة الحركة الوطنية، حيث عُيّن مبارك البكاي لهبيل كأول وزير أول (ديسمبر 1955). كان البكاي شخصية توافقية غير حزبية، وكُلّف بتشكيل أول حكومة للمغرب المستقل قبل الإعلان الرسمي عن الاستقلال في مارس 1956، وكانت مهمتها الأساسية هي بناء الدولة الحديثة وترسيخ السيادة.
تلاه أحمد بلافريج (مارس 1958) وعبد الله إبراهيم (ديسمبر 1958)، وهما من قيادات حزب الاستقلال، ما عكس ثقل الحركة الوطنية في المشهد السياسي. لكن سرعان ما دخل الملك محمد الخامس، ثم الملك الحسن الثاني بعد وفاته (1961)، في رئاسة الحكومة مباشرة لفترات قصيرة، لتأكيد الدور المركزي للمؤسسة الملكية في قيادة المرحلة الانتقالية والسياسية.
مرحلة التناوب الأول وحالة الاستثناء (1963-1998)
بعد أول انتخابات برلمانية في 1963، عُيّن أحمد باحنيني، رجل القانون والقاضي، وزيراً أول. وفي عام 1965، أعلن الملك الحسن الثاني حالة الاستثناء، وتولى شخصياً رئاسة الحكومة (الوزارة الأولى) حتى عام 1967، في فترة تميزت بالتوترات السياسية.
لاحقاً، تعاقبت حكومات ذات توجه تكنوقراطي غالباً، أو من أحزاب موالية، في محاولة لتحقيق التوازن بين ضرورات الحكم وحساسية المشهد السياسي، ومن أبرزها:
محمد بنهيمة (نوفمبر 1967).
أحمد العراقي (أكتوبر 1969).
أحمد عصمان (نوفمبر 1972): صهر الملك الحسن الثاني، ترأس الحكومة خلال فترة المسيرة الخضراء (1975)، وهو ما شكل حدثاً فاصلاً ومحورياً في تاريخ المغرب.
المعطي بوعبيد (مارس 1979).
محمد كريم العمراني (تولى المنصب لثلاث فترات متقطعة).
تميزت هذه المرحلة بالدور الفاعل والمحدد للملك في اختيار الوزير الأول، وغلبة الشخصيات غير المنتمية بالضرورة للأغلبية البرلمانية، ما يعكس تركيز السلطة في القصر الملكي.
مرحلة التناوب التوافقي (1998-2011)
شهدت نهاية التسعينيات تحولاً ديمقراطياً تاريخياً، عرف بـ "التناوب التوافقي"، حيث عيّن الملك الحسن الثاني (قبل وفاته) القائد التاريخي للمعارضة الاتحادية، عبد الرحمان اليوسفي، وزيراً أول في فبراير 1998.
عبد الرحمان اليوسفي (1998-2002): وصوله للسلطة كان تتويجاً لمسار طويل من المعارضة، ورمزاً لطي صفحة الماضي السياسي الصعب. في عهده انتقل العرش إلى الملك محمد السادس، وشهدت هذه الفترة بداية إصلاحات هيكلية وبوادر الانفتاح السياسي، إلى جانب المصادقة على قانون الصحافة الجديد وإصلاحات إدارية.
بعد اليوسفي، عُيّن إدريس جطو (أكتوبر 2002)، كرئيس حكومة تكنوقراطي غير حزبي، وعباس الفاسي (سبتمبر 2007) من حزب الاستقلال، الذي قاد البلاد في فترة الأزمة المالية العالمية.
مرحلة الدستور الجديد ورئيس الحكومة (2011 إلى اليوم)
بعد حراك "الربيع العربي" والتعديلات الدستورية لعام 2011، تغير المسمى الرسمي للمنصب من "الوزير الأول" إلى "رئيس الحكومة"، وأصبح يُعيّن من الحزب الذي يتصدر نتائج الانتخابات التشريعية.
عبد الإله ابن كيران (نوفمبر 2011 - مارس 2017): من حزب العدالة والتنمية (ذو المرجعية الإسلامية). كان أول رئيس حكومة يُعيّن بموجب الدستور الجديد (2011) من الحزب الفائز بالمرتبة الأولى. شهدت ولايته تطبيق إصلاحات في صندوق المقاصة ونظام التقاعد، وتعاملاً مع تداعيات الأزمة الاقتصادية، كما أعيد تكليفه بعد انتخابات 2016 قبل أن يتم إعفاؤه لعدم تمكنه من تشكيل الحكومة.
سعد الدين العثماني (مارس 2017 - سبتمبر 2021): من نفس الحزب، خَلَف ابن كيران واستكمل مسار الحكومة السابقة، وشهدت ولايته جائحة كوفيد-19، وإقرار خطة التعميم التدريجي للحماية الاجتماعية، إلى جانب توقيع اتفاق استئناف العلاقات بين المغرب وإسرائيل (2020).
عزيز أخنوش (سبتمبر 2021 - حتى الآن): رئيس حزب التجمع الوطني للأحرار، وصل للسلطة بعد فوز حزبه في الانتخابات التشريعية. تسعى حكومته إلى تنفيذ "النموذج التنموي الجديد"، ومواجهة تحديات ارتفاع الأسعار، وتنزيل ورش الحماية الاجتماعية وتعميمها.
يعكس تعاقب هذه الحكومات دينامية المشهد السياسي المغربي، الذي يتأرجح بين ضرورة احترام النتائج الانتخابية (التزاماً بروح دستور 2011)، وبين الدور الدستوري المركزي للملكية في رسم التوجهات الكبرى للدولة.