التحديات التي تواجه الدبلوماسية الجزائرية بعد قرار مجلس الأمن بشأن الصحراء المغربية

Les défis de la diplomatie algérienne


 دخلت الدبلوماسية الجزائرية مرحلة دقيقة بعد تبني مجلس الأمن الدولي قرارًا اعتُبر في صالح المغرب بخصوص قضية الصحراء الغربية المغربية، وهو ما يمثل اختبارًا صعبًا للجزائر في ظل توتر علاقاتها مع عدد من جيرانها ومع فرنسا، بحسب محللين سياسيين.


قرار مجلس الأمن يعزز الموقف المغربي


أقرّ مجلس الأمن قرارًا جديدًا يشير إلى أن الحكم الذاتي لصحراء تحت السيادة المغربية قد يكون الحل الأنسب للنزاع المستمر منذ نحو خمسين عامًا. وقد جاء القرار بمبادرة أمريكية ودعم من واشنطن وعضوين دائمين في المجلس، هما فرنسا وبريطانيا.


ورغم اعتراض الجزائر المتمثل في عدم المشاركة في التصويت، تم اعتماد القرار بأغلبية 11 صوتًا، فيما امتنعت كل من الصين وروسيا وباكستان ـ وهي دول تعد من أبرز حلفاء الجزائر  - عن التصويت.


وفي أول تعليق رسمي، قال وزير الخارجية الجزائري أحمد عطاف إن "المغرب لم ينجح في فرض الحكم الذاتي كحل وحيد للقضية الصحراوية".


انتكاسة للدبلوماسية الجزائرية


تصف سابينا هينبيرغ، الباحثة في معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى، القرار بأنه "انتكاسة للدبلوماسية الجزائرية"، مشيرة إلى أن الجزائر تواجه اليوم تحديات متعددة على الصعيدين الإقليمي والدولي.


وأضافت هينبيرغ أن التحركات الدبلوماسية المغربية بدأت تؤتي ثمارها، في حين أن التدخل الروسي في منطقة الساحل ألقى بظلاله على العلاقات بين موسكو والجزائر.


تراجع الدور الجزائري بعد بوتفليقة


تُعد الصحراء الغربية المغربية آخر إقليم غير متمتع بالحكم الذاتي في إفريقيا منذ نهاية الاستعمار الإسباني عام 1975. وتساند الجزائر جبهة البوليساريو في مطالبتها باستقلال الإقليم، بينما يعتبره المغرب جزءًا من أراضيه.


وقد اشتهرت الجزائر بدبلوماسية نشطة قارياً ودولياً، إلا أن نفوذها تراجع بشكل كبير منذ إصابة الرئيس الراحل عبد العزيز بوتفليقة بجلطة دماغية عام 2013، مما أدى إلى غياب الجزائر عن المشهد الدولي لسنوات، قبل أن تحاول استعادة مكانتها مؤخرًا.


 تحالفات جديدة بفضل الطاقة


توضح هينبيرغ أن الجزائر سعت في السنوات الأخيرة إلى لعب دور أكثر بروزًا عالميًا، خاصة بعد انتخابها عضوًا غير دائم في مجلس الأمن، واتخاذها خطوات لتعزيز علاقاتها مع الولايات المتحدة.


وأتاح الغزو الروسي لأوكرانيا فرصة للجزائر لتقديم نفسها كمصدر بديل للطاقة بالنسبة لأوروبا، خصوصًا في الغاز الطبيعي والنفط، ما عزز علاقاتها مع إيطاليا وعدد من الدول الأوروبية.


وعلى الصعيد الإفريقي، وقعت الجزائر في فبراير الماضي اتفاقيات مع نيجيريا والنيجر لتسريع تنفيذ مشروع أنبوب الغاز العابر للصحراء.


حدود السياسة الدبلوماسية الجزائرية


ورغم هذه التحركات، يرى حسني عبيدي، مدير مركز الدراسات والأبحاث حول العالم العربي والمتوسطي، أن السياسة الخارجية الجزائرية تواجه حدودًا واضحة. ويستشهد بفشل الجزائر في الانضمام إلى مجموعة بريكس عام 2023، بعد "رفض شبه مهين" من روسيا — الحليف التاريخي للجزائر ومصدر أسلحتها الرئيسي.


ويؤكد عبيدي أن هناك حاجة ملحة لإعادة ضبط أهداف السياسة الخارجية الجزائرية بما يتناسب مع التحولات الدولية المتسارعة.


علاقات متوترة مع الجوار وفرنسا


في المقابل، يعزز المغرب حضوره الاقتصادي في القارة الإفريقية، بعد أن استعاد عضويته في الاتحاد الإفريقي، بينما تعيش الجزائر توترًا مع فرنسا، التي باتت تدعم مبادرة الحكم الذاتي المغربية.


كما تحتاج الجزائر، وفق محللين، إلى تهدئة علاقاتها الإقليمية، خصوصًا مع مالي التي تشترك معها بحدود تتجاوز 1300 كيلومتر.


وفي مارس الماضي، أعلنت الجزائر إسقاط طائرة مسيرة تابعة للجيش المالي بدعوى انتهاك مجالها الجوي، ما دفع مالي والنيجر وبوركينا فاسو إلى استدعاء سفرائهم من الجزائر واتهامها بـ"العداء المتعمد".


وفي المقابل، أعلنت الدول الثلاث رغبتها في تسريع مشروع الربط الأطلسي الذي يقوده المغرب.


خلافات مع الإمارات وليبيا


وامتد التوتر إلى منطقة الشرق الأوسط، إذ تتهم الجزائر الإمارات العربية المتحدة بدعم المجلس العسكري في مالي بالسلاح والتمويل، إضافة إلى التدخل في ليبيا عبر دعم المشير خليفة حفتر، خصم الأطراف التي تؤيدها الجزائر.


ويرى عبيدي أن السياسة الخارجية الجزائرية تعاني أيضًا من بطء اتخاذ القرار نتيجة تعقيد النظام السياسي وتعدد الجهات المؤثرة فيه، من الجيش وأجهزة الاستخبارات إلى هيئات صنع القرار المدني.



تواجه الدبلوماسية الجزائرية اليوم مرحلة حاسمة تتطلب إعادة تقييم استراتيجياتها الخارجية وسط مشهد دولي متغير، حيث تزداد عزلة الجزائر السياسية في مقابل تقدم المغرب دبلوماسيًا واقتصاديًا في ملف الصحراء المغربية.


تعليقات